رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان عبد المجيد زعلاني في حوار للنصر: الجزائر تواكب التوجه الأممي في مجال حقوق الإنسان

يرى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، عبد المجيد زعلاني، أن الجزائر حققت تقدما كبيرا في ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وهو توجه قال في حوار للنصر، إنه يساير رؤية هيئة الأمم المتحدة التي أصبحت تركز على تحقيق التنمية المستدامة للشعوب، كما يكشف زعلاني عن العمل الذي تقوم به هيئته في مجال حقوق المرأة والطفل، ويتحدث عن النقاط التي رصدها المجلس في مشاريع القوانين الجديدة التي تمت مناقشتها مؤخرا.

حاورته: ياسمين بوالجدري

* باعتباركم هيئة حقوقية تنشط من الداخل وعلى اطلاع بالمعطيات الحقيقية. كيف تقيّمون وضعية حقوق الإنسان في الجزائر؟

في البداية أوضح بأنه يجب أن يكون هناك دمج بين الحقوق المدنية والسياسية المتعلقة بالحبس والحرية والاحتجاز وحرية التعبير والمسيرات وحقوق المرأة السياسية وغيرها، وبين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية كالحق في السكن والأكل والشرب والتغذية، كما أن خصائص حقوق الإنسان متساوية ومتعادلة ومتشابكة ومرتبطة مع بعضها البعض، لكنها تختلف بين الدول حديثة الاستقلال أو السائرة في طريق النمو، وبين البلدان الليبرالية التي لديها مواثيق في حقوق الإنسان منذ أزيد من 500 سنة، والتي رغم ذلك تشهد مشاكل في مجال حقوق الإنسان ربما هي أخطر، رغم أن لديها الإمكانيات لحلها.
بالنسبة للجزائر، أرى أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية متقدمة جدا إذا قارناها ببعض الدول حتى بما فيها الغربية. لنأخذ السكن على سبيل المثال، فالجزائر شيدت ملايين السكنات، كما تُقدم الدولة إعانات مختلفة في إطار سياسة التضامن، ورغم أن إمكانياتها ليست كبيرة جدا إلا أن مواطنيها يستفيدون من دعم المواد الغذائية ومن الإعانات الخاصة بشهر رمضان والدخول المدرسي وأيضا خلال الكوارث الطبيعية مثل الحرائق.

أما الحقوق المدنية والسياسية، فالمراد منها هو ألا تمس بالنظام العام، فأحيانا يتحول الأمر إلى تشويش على المصالح المختلفة للدولة، إذ أن البعض مثلا يتوجه إلى المنازعة والمغالاة في كل شيء. لدينا دستور وقوانين وحريات تمارس بشكل عادي، و وفق تحليلي الشخصي، أرى أن كل تجاوز سينقص من قوة وهيبة الدولة وبالتالي ينقص من الاستقرار مما يعود سلبا على الحقوق، فكلما كلما مارس المواطنون حرياتهم بمسؤولية كلما زاد الاستقرار، ويُفتح بذلك باب الحقوق المدنية والسياسية أكثر.
لقد وضعت الأمم المتحدة سنة 2015 هدف تحقيق التنمية المستدامة للشعوب ضمن خطة تمتد إلى 2030، وحثت الدول على التنمية في ظل احترام حقوق الإنسان حتى لا يُترك أحدا وراء الركب مثلما عبرت هذه الهيئة، ونحن نرى اليوم اهتمام الجزائر بمناطق الظل التي يصلها الكهرباء والغاز والماء، بما يساير التوجه العالمي لمنظمة الأمم المتحدة التي تراجعت عن فكرة جعل الحقوق المدنية والسياسية في الواجهة، قبل الحقوق الاجتماعية والسياسية التي تكون في ظل تنمية مستدامة تأخذ بعين الاعتبار الطفل والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء وغيرهم. هذا يعني أن الجزائر تتماشى مع أفكار حقوق الإنسان في القرن الحادي والعشرين.  


في هذا الإطار، تُتهم منظمات غير حكومية بإصدار تقارير حول حقوق الإنسان في الجزائر بالاستناد إلى معطيات مصدرها أحيانا جهات إعلامية معروفة بعدائها للجزائر. كيف تتعاملون مع هذا الملف؟

أولا نحن في مجلس حقوق الإنسان ننطلق في عملنا من الحقيقة، وهي سياسة الجزائر بوجه عام، على عكس هذه المنظمات التي تستند إلى جزء من المعطيات لا يشكل سوى نسبة ضئيلة من الحقيقة، لتبني على أساسه تقارير غير صحيحة، كمثال على ذلك، قضية شخص كان محبوسا بسجن القليعة، وتوفي في مستشفى بني مسوس بعد تحويله إليه إثر مرض مزمن مصاب به منذ مدة.
لقد روجت هذه المنظمات لكون المحبوس توفي في السجن، فتحريت في الأمر شخصيا واتضح أن المعني توفي بالمستشفى بعد عدة أيام من نقله إليه، وهو الذي يوصف بسجين رأي لكنه بالنسبة لي سجين طبقا لمواد معينة من قانون العقوبات وقوانين خاصة، ولدينا أمثلة كثيرة مشابهة، ورغم أن وزير العدل أوضح في ما بعد هذه الحقائق، إلا أن التقارير إعلامية استمرت في القول إن المعني توفي في المستشفى والترويج لكون المحبوسين يموتون في السجون الجزائرية، وهذا ما يسمى تضليلا إعلاميا. صحيح هناك بعض الحالات محل نزاع في ما يتعلق بالحقوق المدنية والسياسية وقد يحدث أحيانا سوء تفاهم.

* أعلنتم مؤخرا عن التحضير لإصدار ميثاق موسوعي حول المرأة الجزائرية، ما الهدف منه، وكيف تشخصون واقع حقوق المرأة في الجزائر؟


هناك أسباب كثيرة للاهتمام بالمرأة، والسبب العام الرئيسي هو الظلم التاريخي الذي لحق النساء على مستوى العالم. المرأة كناخبة أو منتخبة لم تظهر في أغلب الدول إلا في النصف الثاني من القرن الماضي، والأمم المتحدة تهتم اليوم أكثر فأكثر بحقوق المرأة، وقد أخذنا بعين الاعتبار هذا الاهتمام العالمي وكذلك خصوصية الجزائر، فالمرأة الجزائرية أثبتت وجودها في الثورة التحرير وضربت مثالا في التضحية من أجل التحرر، واليوم يجب أن نساعدها على تحرير نفسها بمعرفة حقوقها. لقد وضعت الجزائر التزامات أمام مجلس حقوق الإنسان ومن بينها مزيد من المكاسب في ما يخص حقوق المرأة.
المرأة كذلك مدرسة ويجب تثقيفها وتوعيتها بحقوقها لكي تكمّل الرجل في بناء الأسرة التي تعتبر الخلية الأولى في بناء المجتمع. الكتاب الذي نعمل عليه سيترجم إلى عدة لغات ويوزع على العالم، وسيعطي صورة ناصعة عن المرأة في الخارج لنثبت فيه أن المرأة في الجزائر تحتل مناصب مهمة جدا، وبأن هناك الكثير من الجهود لمنع الاتجار بالمرأة وممارسة العنف ضدها، وقد اتخذت الدولة التزاما بهذا الخصوص.


* لكن هل تعتقد أن المرأة استطاعت افتكاك حقوقها بالشكل الكافي في الجزائر؟

بعد دراسة معمقة وجدتُ أن المرأة اكتسبت حقوقا كثيرة مساوية لحقوق الرجل، لكن هناك عقليات متخلفة ومحسوبة على دين الإسلام خطأ. اكتشفتُ أيضا تناقضات، أولها وجود فئة من النساء مثقفة ومتقدمة جدا وتملك كل شيء، وفئة ثانية متخلفة جدا في مناطق نائية وليس لديها شيء، لذلك تقليل الفجوة بين الفئتين.
التناقض الأساسي الآخر هو أن المرأة احتلت مكانا كبيرا في الإدارة العمومية وأصبحت تشكل أكثر من 50 بالمئة في بعض الإدارات والوظيفة العمومية، لكنها لا تحتل مسؤوليات ومناصب كبرى، وإن وصلت إليها تصل إليها بصعوبة. الكتاب يبحث عن الأسباب التي تجعل المرأة تشغل كل هذه المساحة لكنها لا تصعد بسرعة، لكن لو نتحدث عن القضاء، هناك نساء قاضيات على عكس عدة دول عربية.
المرأة إذن تحتل أي منصب تقريبا لكن بأعداد قليلة تقل كلما ارتفع مستوى المنصب، صحيح أن الأمر ظاهرة عالمية لكننا نسعى إلى أن تحتل النساء الجزائريات مناصب عليا بنسب معينة.
التناقض الثالث، متعلق بنظام المحاصصة الذي بدأته الجزائر سنة 2013 في الانتخابات البرلمانية والمحلية، فعندما أعطيت للمرأة الكوطا وصلت إلى بعض المناصب، وعند إلغائها قل تواجدها، إذن المشكلة مطروحة من جانبين، إذ يبدو أن المجتمع غير متقبل للفكرة بسهولة، وربما هناك أسباب خفية منها عدم ترشيح المرأة التي تستحق المنصب، وهذا ما نحاول دراسته في الكتاب الذي سيكون جاهزا خلال حوالي 3 أشهر ونبحث فيه الأسباب والحلول الممكنة.
المشكلة الأكبر من كل هذا برأيي، هي أن النساء لم ينتخبن على النساء على ما يبدو، لذلك هن بحاجة إلى دفع وتوعية مستمرة، من خلال خلق الظروف التي تسمح لهن بالنجاح، لأن صوت المرأة يجب أن يكون موجودا، والكتاب ما هو إلا جزء من هذا المسعى الذي سنبحث فيه تقنيات انتخابية مؤقتة قبل العودة لنظام المناصفة لأنه الأصح.


* بالنسبة لحقوق الطفل، إلى أين وصل مستوى معالجة هذا الملف وما أهم المشاكل التي رصدها مجلسكم خاصة ما تعلق بعمالة الأطفال والعنف؟

يُعد هذا الملف من الاهتمامات الرئيسية للمجلس والتي يمارسها جزئيا عن طريق عضوته وهي السيدة مريم شرفي المفوضة الوطنية لحقوق الطفل. نحن نتعاون معها ونقوم بنشاطات ثقافية وقانونية بهذا الخصوص، كما ندون ملاحظات عبر تقارير المفوضية ونسجل النقائص.
بالنسبة لي، يعاني الطفل بشكل عام من مشكلة جهل المجتمع، ابتداء من الأم غير المتعلمة التي تنجب عددا كبيرا من الأطفال ولا تستطيع تربيتهم جميعا بشكل صحيح. هناك مشاكل ظرفية مثل اختطاف الأطفال وظاهرة الوخز بالإبر الأخيرة وغيرها، والتي نحاول معالجتها باستمرار، رغم ذلك، فالطفل أخذ قسطه من الحقوق في الجزائر في وجود المفوضية وبعد صدور القانون الأساسي الذي يحميه. نعمل حاليا على إطلاق برنامج زيارات للمدارس الابتدائية بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية، إثر الحديث مؤخرا عن العنف داخل المدارس والمنزل، لأن الطفل المعنف لن يصبح فردا سويا في المستقبل.

* ماذا عن المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة؟


زرنا عددا من المراكز التابعة لوزارة التضامن بالنسبة للمسنين والمكفوفين وسجلنا عددا من النقائص عبر عدد من ولايات الوطن والتي سندرجها في تقريرنا السنوي


* ما رأيكم في مشروع قانون الحق النقابي الذي صودق عليه مؤخرا بالمجلس الشعبي الوطني؟

استمعنا إلى كل الآراء حول هذا الملف، وراسلنا البرلمان بغرفتيه للمشاركة في المناقشة لنراقب إن تم الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي قدمناها في المشروع التمهيدي. لقد أصبح تشكيل النقابات يتم بين ليلة وضحاها بين مجموعات من الأفراد، إلى درجة أصبحنا معها لا نحصي عدد النقابات نظرا لكبره، لذلك يجب وضع نظام، و وقتها تمارَس الحرية الحقيقية في إطار منظم. هناك اتفاق عام على الفوضى العارمة الموجودة حاليا والتي يجب تنظيمها.
ويجب أيضا معرفة إن كان النقابيون يبحثون عن مصالح العمال أم عن مصالحهم الخاصة لاحتلال أماكن في الإدارات وإغلاقها واستفزاز المدراء، وهو ما يضر بمصالح المؤسسات والوطن. نريد للنقابة أن تكون صوت العمال لكن بما يفيد العمال، نريدها ألا تغلق المصنع بل تفتحه وتطور الأجور والقدرة الشرائية وتدافع عن الحقوق المهنية والاجتماعية للعمال.
* ماذا عن قانون الاتجار بالبشر؟
نرى أنه أتى بنظام حمائي وهو مكسب من مكتسبات حقوق الإنسان، بحيث يحمي الضحية في مجال الاتجار بالبشر، ولقد طلبت في البرلمان الإسراع في استصدار النصوص التنظيمية الخاصة به.


* مشروع القانون العضوي المتعلق بالإعلام هو أيضا من المشاريع التي اشتغل عليها مجلسكم قبل مناقشتها في البرلمان. ما أهم الملاحظات التي طرحتموها بخصوصه؟

مثلما سبق أن قلت لك، في المجلس الوطني لحقوق الإنسان نبني الأمور على الحقيقة، لذلك التساؤل المطروح هنا، من هو الصحافي؟ فمشروع قانون الإعلام يجب أن يبين من هو الصحافي. ثانيا، الحرية تقابلها المسؤولية، فالصحافي يكتب انتقادات ويُسائل بناء على حقائق دون توجه تهديمي وبما يفيد البناء، ولكي نصل إلى هذا لا يكفي القانون، بل يجب تكوين الصحافيين تكوينا جيدا لحماية الصحافيين أنفسهم من الوقوع في الأخطاء.
من جملة الضمانات المقدمة للصحافي الذي يملك بطاقة الصحافي المحترف، أنه لا يدخل السجن بسبب عمله الصحفي، والقاضي يُقدر إن تحول الأمر إلى قذف رغم أن الحدود غير واضحة أحيانا.


* حصلت الجزائر على عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، فما الذي يمكن أن تقدمه الجزائر للدول العربية والإفريقية انطلاقا من هذا الموقع؟

الجزائر عبر سياستها بوجه عام، تعمل كثيرا من أجل حقوق الإنسان، وتعمل في إطار الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والتنمية المستدامة على تحقيق الأمن الغذائي والتضامن الدولي، وهي التي قررت وضع مبلغ مليار دولار تحت تصرف المجتمعات الإفريقية، بما يعود بفائدة كبيرة على الجزائر والدول الإفريقية.
الجزائر تقدم للإفريقيين خدمات تضمن البقاء ببلدانهم وتضمن استقرار الأشخاص، فكلما زادت التنمية قلت النزاعات وتم الحد من الهجرة العشوائية. الجزائر، إذن، تحقق مبادئها عبر تنمية الشعوب الإفريقية وتقرير مصريها والوصول إلى مزيد من الاستقرار، وبدخولها لمجلس حقوق الإنسان ترفع راية من رشحها وهي المجموعة العربية والإفريقية والإسلامية.
الجزائر ستكون لها كلمة نافذة وقوية لأنها حتى قبل أن تدخل مجلس حقوق الإنسان ظهرت بقوة كدولة في منابر السياسة والدبلوماسية الدولية وهي التي اختفت بسبب ظروف معينة، كما أن المشروع الدستوري والقانوني والمؤسساتي والسير نحو حقوق الإنسان وسياسة التضامن مع الجيران والشعوب الإفريقية أكسبها مزيدا من الاحترام.
ي.ب

يومية النصر