يغتنم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مناسبة الاحتفال باليوم العالمي لكبار السن المصادف لأول (1) أكتوبر، ليقوم بزيارة ميدانية للمركز الجديد لكبار السن بالحامة قسنطينة، ويطلق نشاط المراسلين الولائيين انطلاقا من هذه الولاية. ويغتنم هذه المناسبة أيضا ليذكر بما عاينه من مكتسبات في هذا المجال، تحققت لهذه الفئة من تركيبة مجتمعنا، العزيزة علينا، ويوصي بكل ما من شأنه أن يساهم في التأسيس لثقافة حقوق كبار السن، ويجعل هؤلاء يكملون الشطر الأخير من حياتهم في أحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والرفاه.
وفي هذا الصدد، يثمن المجلس إجراء الوساطة العائلية والاجتماعية لإبقاء الشخص المسّن في وسطه العائلي، التي أطّرها المرسوم التنفيذي رقـــــم 16-62 المؤرخ في 11 فبراير سنة 2016 والذي حدّد كيفيات تنظيمها. وبصدد هذا الإجراء ذي الأهمية البالغة، يؤكد المجلس على ضرورة تعزيزه بكل الوسائل المتاحة، مذكرا بأن آلية الوساطة الاجتماعية والعائلية هي إجراء وقائي يرمي إلى تسوية كل حالات النزاع التي قد تطرأ بين أفراد الأسرة، لاسيما بين الفروع والأصول. فهذه الآلية تندرج في إطار الإجراءات الاستباقية لحل الإشكالات العائلية وفضّ النزاعات وتعزيز التلاحم الأسري والاجتماعي مما يساهم حماية كبار السن في الأسرة. ومن ثم فإن المجل سيرى، ضرورة مرافقة هذا الإجراء حتى يكون أكثر فعالية، بدعم نفسي واجتماعي للشخص المسّن وأسرته، تجنبا لتكرار حالات التخلي عن كبار السن أو إهمالهم، ولكن أيضا بترقية عمل مكتب الوساطة العائلية والاجتماعية وتوفير الإمكانيات اللازمة له، من الجانب المادي والموارد البشرية المؤهلة التي تمكّنه من تقديم حلول جوهرية، تضمن ديمومة واستمرار علاقة الشخص المسّن بأسرته وعيشه في ظروف ملائمة وفي محيط أسري متماسك. وقد لاحظ المجلس أن الحالات المكلّلة بالنجاح في إطار الوساطة الاجتماعية والعائلية، تمثل نسبة لا بأس بها، وهذا ما يستخلص من تقرير الجزائر حول المراجعة الرابعة لخطة مدريــــد الدولية للشيخوخة 2017-2021، الذي جاء فيه، أنّ العمل الجواري وبرامج التحسيس وتفاعل مختلف شرائح المجتمع حول قضايا الشخص المسّن في الجزائر أدّى إلى تراجع ملفت في عدد المسنين المتكفّل بهم داخل الدور وهياكل الاستقبال، إضافة إلى جدوى وفعالية عمليات الوساطة الاجتماعية والعائلية وترتيب إعادة الإدماج والاستقبال لدى العائلات البديلة ومساعدة الفروع المتكفلين بأصولهم والمساعدة المنزلية. وفي هذا الصدد، تمّ تسجيل تناقص مستمر في عدد المقيمين بمؤسسات واستقبال الأشخاص المسنين فانخفض عدد الموجودين بالدور من 2185 شخص مسن سنة 2010 إلى 1444 شخص مسن مقيم بالمؤسسات سنة 2021.
أما النقطة الثانية التي يرغب المجلس أن يركز عليها في هذه المناسبة فتتعلق بالتكفل بالرعاية الصحية للأشخاص المسنين. وفي هذا الصدد يذكر المجلس أن المواد 86 و87 و88 من القانون رقم 18-11 المؤرّخ في 2 يوليو سنة 2018 المتعلّق بالصحة، المعدّل والمتمّم، قد كرست التكفّل بالرعاية الصحية للأشخاص المسنين من خلال تولي الدولة إعداد وتنفيذ برامج لحماية الأشخاص المسنين وأن تستفيد هذه الفئة، لاسيما المصابون منهم بأمراض مزمنة أو المعوقون، من كل الخدمات المتعلقة بالعلاج وإعادة التكييف والتكفل النفسي التي تتطلبها حالتهم الصحية. لكن المجلس، ورغم كل المجهودات الذي بذلت للاهتمام بمختلف حقوق هذه الفئة من مجتمعنا، يلاحظ ويسجّل بأسف، تأّخرا في تطبيق أحكام المادة 14 من القانون رقم 10-12 المؤرّخ في 29 ديسمبر سنة 2010 المتعلّق بحماية الأشخاص المسنين، لاسيما النقطة المتعلّقة بإنشاء هـيــاكل الـصـحة الخـاصة بطب الـشيخوخة على مستوى المؤسسات الاستشفائية وجهاز اليقظة. وللتذكير فإن المادة 14تنص صراحة على إنشاء هذا التخصص الطبي، فقد جاء فيها: ما يأتي: “للأشخاص المسنين الحق في الاســتـفـادة من مجانية العلاج في المؤسسات الصحية العمومية. وتضع الدولة جهاز وقايـة من الأمراض والحوادث التي يمكن أن تصـيب الأشخاص المسنين، وتشجع إحداث هـيــاكل الـصـحة الخـاصة بطب الـشيخوخة عــلى مـسـتـوى الهياكل الاستشفائية المعنية”.
بناء على كل ما سبق، يوصي المجلس، بتعزيز آلية الوساطة العائلية والاجتماعية، وبالإسراع في اتخاذ التدابير اللازمة لاعتماد طب الشيخوخة داخل المؤسسات الاستشفائية وإدراجه كتخصص قائم في حدّ ذاته، على مستوى المؤسسات الجامعية المتخصصة في مجال الطب.