كلمة رئيس المجلس

المجلس الوطني لحقوق الإنسان، هيئة دستورية إستشارية له ولاية واسعة في مجال تعزيز حقوق الإنسان واحترامها وترقيتها.

يستند انشاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى مجموعة المعايير الدولية التي يجب على المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان احترامها، لا سيما مبادئ باريس، فقد تمّ النص على إنشائه بموجب أعلى وثيقة في الهرم القانوني ألا وهي الدستور، وهو ما يجعله يستجيب لالتزام الجزائر بالتوصيات والمبادئ الحقوقية، الرامية لتأسيس مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان وفقا لمبادئ باريس، كفيلة بتعزيز دولة الحق والقانون.

ولقيام المجلس بعمله وأدائه لكامل مهامه في إطار الاختصاصات المجرّدة له، فقد تمّ النص في أحكام المادتين 211 و212 من الدستور المعدّل لسنة 2020، على تمتعه بالاستقلالية المالية والإدارية مع منحه الصلاحيات التي تمكنه من التحقيق والنظر في أيّة مسألة تمس حقوق الإنسان، حيث يتولى مهمة الرقابة والإنذار المبكّر والتقييم، وإبداء آراء واقتراحات وتوصيات تتعلق بترقية حقوق الإنسان وحمايتها.

ويضم المجلس في تشكيلته ثمانية وثلاثين (38) عضوا يختارون على أساس معايير موافقة بدورها لمبادئ باريس، إذ تراعى في تشكيلة أعضاء المجلس مبادئ التعددية الاجتماعية والمؤسّساتية وتمثيل المرأة ومعايير الكفاءة والنزاهة، ويتم تعيينهم بموجب مرسوم رئاسي.

 ومن أجل ضمان استقرار عهدة أعضاء المجلس التي تساهم في بناء أسس متينة وترسيخ تقاليد عمل ناجحة في مجال ترقية حقوق الإنسان وحمايتها، فقد حددت بمدة أربع (4) سنوات قابلة للتجديد، كما أن الرئيس ينتخب من طرف الأعضاء لنفس المدّة ويقلّد مهامه بموجب مرسوم رئاسي وهذا دعما للنهج الديمقراطي ولاستقلالية المجلس.

ونظرا لأهمية ترقية حقوق الإنسان، يعمل المجلس في هذا الصدد على تقديم آراء وتوصيات ومقترحات وتقارير إلى الحكومة أو إلى البرلمان حول أيّ مسألة تتعلّق بحقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي، والمساهمة في ضمان المواءمة بين التشريع والأنظمة والممارسات الوطنية والصكوك الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان المصادق عليها من طرف الجزائر، وكذا تقديم ملاحظات بشأنها وتقييم النصوص السارية المفعول على ضوء المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وللمجلس دور في إعداد التقارير التي تقدّمها الجزائر دوريا أمام آليات وهيئات الأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية تنفيذا لالتزاماتها الدولية، والمساهمة في تنفيذ التوصيات الصادرة عن  هذه الآليات.

من جهة أخرى، وقصد الحد من الانتهاكات التي قد تمس حقوق الإنسان، تبرز ولاية المجلس في هذا المجال بدراسة هذه الحالات عبر آلية المبادرة بالتحقيق والمعاينة خاصة من خلال الزيارات الميدانية أو آلية التبليغ من خلال تلقي الشكاوى المتعلّقة بمجال اختصاصاته ويعالجها عبر نظام الوساطة المحدث بموجب أحكام القانون رقم 16-13 المؤرخ في 3 نوفمبر سنة 2016 الذي يحدد تشكيلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان وكيفيات تعيين أعضائه والقواعد المتعلقة بتنظيمه وسيره،

ويعرض المجلس نتائج تحقيقاته على السلطات الإدارية المعنية، وإذا اقتضى الأمر، على الجهات القضائية المختصة كما يضمنها في جميع الحالات في تقريره السنوي، ويمكن المجلس لنفس الغرض أن يطلب من أي هيئة أو مؤسسة عمومية أو خاصة وثائق أو معلومات أو أي توضيحات يراها مفيدة في إطار ممارسة مهامه، ويتخذ في هذا الشأن الإجراء المناسب.

وترسيخا لثقافة حقوق الإنسان في المجتمع يتولى المجلس التكوين المستمر وتنظيم المنتديات الوطنية والإقليمية والدولية وإنجاز البحوث والدراسات والقيام بكلّ نشاط تحسيسي وإعلامي ذي صلة بحقوق الإنسان، واقتراح أيّ إجراء من شأنه ترقية التعليم والتربية والبحث في مجال حقوق الإنسان في الأوساط المدرسية والجامعية والاجتماعية والمهنية والمساهمة في تنفيذه.

وفي مجال ترقية التعاون على المستوى الوطني، يحرص المجلس على إقامة علاقات تعاون مع الجمعيات والهيئات الوطنية الناشطة في مختلف مجالات حقوق الإنسان والمجالات ذات الصلة، أما على صعيد التعاون الدولي، فيعمل المجلس مع هيئات الأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية المتخصصة ومع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في الدول الأخرى وكذا مع المنظمات غير الحكومية الدولية، المختصة بمجالات تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.

تتوّج نشاطات وأعمال المجلس بإعداد تقرير سنوي الذي يرفعه إلى رئيس الجمهورية، حول وضعية حقوق الإنسان ويُضمّنه اقتراحاته وتوصياته لتعزيز حقوق الإنسان وترقيتها.

وما يمكن قوله أخيرا، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبر من الدعائم الأساسية لحماية حقوق الإنسان وترقيتها وتعزيزها في ثقافة المجتمع، وهو أداة اتصال وتواصل بين المواطنين والمجتمع المدني والدولة، كما يلعب دورا مهما على المستويين الدولي والإقليمي في مجال حقوق الإنسان، وذلك من خلال المهام والصلاحيات التي يضطلع بها والمخولة له دستوريا ووفقا للقانون ونظامه الدّاخلي.

البروفيسور عبد المجيد زعلاني
رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان