رسالة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمناسبة إحياء ذكرى يوم العلم

يحيي المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع كل الشعب الجزائري اليوم ذكرى يوم العلم المصادف ل 16 افريل من كل سنة، فيقف مستذكرا هذا اليوم ومستلهما منه مكانة العلم والتعليم في الدفع بحقوق الإنسان إلى الأمام سواء نظرنا إلى هذه الحقوق من جهة تاريخ النضال الوطني أو بمنظورها الحالي ومن حيث آفاق تطورها مستقبلا خاصة على المستوى الدولي كعامل حاسم في التنمية المستدامة، أو من زاوية عمل المجلس في الجزائر، لغرض ترقيتها وحمايتها، وذلك بتقوية الحق في التعليم، والتربية على حقوق الإنسان، خاصة عن طريق تعليم هذه الحقوق.  

فمن الناحية التاريخية لا شك أن التعليم قد كان الحصن الحصين لضمان الحق الثقافي الأول للإنسان الجزائري، حقه في الحفاظ على هويته، بمقاومته الشرسة من خلال كوكبة نورانية من علماء الجزائر الأجلاء يتقدمهم العلامة المرحوم عبد الحميد ابن باديس، للمخطط الاستعماري الشيطاني الذي استعمل كل الوسائل لطمس الهوية الوطنية للجزائريين. وقد خاض هؤلاء العلماء كفاحا شرسا مستميتا للدفاع عن الهوية الوطنية فكانت بحق معركة أشد قوة وأعظم تحدي من معارك السلاح، التي شهدتها الجزائر المستعمرة بالداخل والخارج بقيادة رجال أشاوس صدقوا ما عاهدوا الله عليه. وبذلك كان التعليم ربما أقوى دافع وأكبر رافد في تغذية الحركة النضالية ثم في الثورة التحريرية التي توجت بممارسة الشعب الجزائري حقه في تقرير مصيره وهو حق أساسي للإنسان، مكنه من انتزاع النصر العظيم والحرية والسيادة الوطنية وتحقيق أعز حق للإنسان وهو حقه في الكرامة.

 أما بالمنظور الشامل لحقوق الإنسان على صعيد عالمي، حاليا ومن خلال آفاق تطورها مستقبلا، فإنه لابد من الاعتراف أن الحق في التعليم لا يعتبر فقط من ضمنها بل إذا صح ترتيبها، يأتي بلا منازع في مقدمتها، بحيث، تكاد باقي الحقوق في غيابه، تفقد أساسيات شروط تحققها. والنتيجة المنطقية التي وصلت إليها الأمم المتحدة من كل ذلك أنه، وحتى لا يحرم أحد من حقوقه، ولا يتخلف أحد عن الركب، فقد كان لزاما أن تكرس هذه المنظمة العالمية، من بين الأهداف الكبرى التي سطرتها لخطة التنمية المستدامة بمعايير حقوق الإنسان التي اعتمدتها سنة 2015 للفترة 2020-2030، الهدف الرابع (04) للحق في التعليم وبالذات ” لضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع”. وتناصر اليونسكو التعليم “كحق أساسي من حقوق الإنسان، يرتبط ارتباطا وثيقا بإعمال الحقوق الأخرى”، فالتعليم “أساس تحقيق الذات الإنسانية، والسلام، والمساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة” بحيث “تبدأ التنمية المستدامة مع التعليم“.

وبالعودة للجزائر، وفضلا عن الدور الذي لعبه التعليم في الوعي التحرري الوطني، وربما أيضا لفضل ذلك بالذات، ومباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية، أعطيت كامل الأولوية لقطاع التربية والتعليم، وظل التعليم في بلادنا يشكل تحديا قويا تراهن عليه مؤسسات الدولة ووراءها إرادة سياسية قوية وثابتة، تعمل على ضمانه لكل فئات المجتمع وبمختلف الصيغ، بدءا من التعليم القاعدي وصولا للتعليم العالي ومرورا بالتكوين المهني، لتكون الجزائر بذلك من الدول النادرة، التي تبنت، وبدون تراجع، مبدأ ضمان مجانية التعليم لتحتفي به اليوم كباقي المنجزات كما وكيفا في هذا القطاع، وهي على موعد قريب من إحياء  الذكرى الستين لاسترجاع السيادة الوطنية.

ومن زاوية عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لغرض ترقية حقوق الإنسان وحمايتها في بلادنا ومنها خاصة وبالذات الحق في التعليم، وبالنظر للعلاقة المتينة بين العلم المحصل بممارسة الحق في التعليم من جهة وحقوق الإنسان من جهة أخرى، فسيتم ذلك وفق خطة ذات أبعاد مختلفة تشمل إلى جانب ضمان الحق في التعليم كحق من الحقوق الأساسية للإنسان، أيضا التربية على حقوق الإنسان لنشر ثقافتها خاصة عن طريق تعليمها.  

فبالنسبة للحق في التعليم يعتبر المجلس من الأهداف الأساسية لخطته المساهمة، في حدود اختصاصاته الاستشارية، خاصة بالزيارات الميدانية المتوجة بالتقارير والحصائل، في الحفاظ على مكسب الأمة المتمثل في التشبث بمجانية التعليم وتوصيل المرفق التعليمي لأبعد نقطة في جغرافية أرضنا الحبيبة، من خلال تكاثف وتنسيق الجهود الرامية لتقوية الآليات البيداغوجية والوسائل المادية، التي وجهتها الدولة لغرض القضاء نهائيا على الأمية وكذلك تأمين النقل والإطعام المدرسيين والعمل على امتصاص نسب التسرب المدرسي بمرافقة التلاميذ والطلبة في مختلف الأطوار التعليمية وتحسين ظروف محيط حياتهم لمنع التسرب. وبالإضافة إلى ذلك ونظرا لتطور التكنولوجيا وتوجه بلادنا للأخذ بالاقتصاد القائم على المعرفة، وما يتطلب هذا الاقتصاد من مستويات عليا من المهارات والكفاءات، فلابد من العمل على أن يمارس الحق في التعليم خاصة في المستويات العليا بكامل ضمانات الحصول على هذه المهارات والمستويات الجيدة، سيرا مع منهج اليونسكو في دعوتها بقوة إلى رؤية إنسانية وكلية للتعليم قائمة على الحقوق، والتي لها منظور موسع للتعلم من أجل تمكين الأشخاص من إعمال حقهم في التعليم والتعلم مدى الحياة.

أما البعد الآخر لخطة المجلس المتمثل في ضمان الحصول على التربية على حقوق الإنسان، بجودة عالية في المدارس والثانويات والجامعات ومراكز التكوين المهني فيكون ذلك بنشاطات ومساهمات مختلفة للمجلس ومنها مساهمته في وضع البرامج المخصصة لتعليم حقوق الإنسان في هذه المؤسسات وتحسينها بما يضمن الطريقة الناجعة لنشر ثقافتها. وقد خطط المجلس لتحضير كيفيات هذه المساهمة في وضع البرامج وتحسينها والتي سيشرع قريبا في  إجراء اتصالات أولى بشأنها مع والقطاعات الوزارية المعنية وذوي المصلحة وصولا في نهاية المطاف لعقد مذكرات تفاهم واتفاقيات بين المجلس والقطاعات الوزارية المذكورة للعمل المشترك لتحقيق الأغراض المقصودة.