بيان بخصوص لائحة البرلمان الأوروبي حول حرية التعبير والصحافة بالجزائر

منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الأمم المتحدة بتاريخ 10 ديسمبر 1948 تكون شيئا فشيئا نظام عالمي لحقوق الإنسان لتحتل أكثر من ثلث نشاطات هذه الهيئة العالمية بعنوان برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. كما تكون إلى جانبه نظام إقليمي لحقوق الإنسان ويعمل كلا النظامين العالمي والإقليمي بآليات تعاهدية تقدم لها تقارير الدول المصادقة عليها بشأن وضعية حقوق الإنسان فيها، وتصدر هذه الآليات المتنوعة والمتعددة بناء على هذه التقارير ومناقشتها توصيات للدول المعنية. وإلى جانب الآليات التعاهدية أقامت الأمم المتحدة نظاما موازيا لها غير تعاهدي لحقوق الإنسان، من أهم مؤسساته، إلى جانب الاجراءات الخاصة، المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان، الذي يصدر بدوره توصيات للدول بعد مرورها أمامه وامتحانها من طرف النظراء في إطار الاستعراض الدوري الشامل، والذي تخضع له كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة. ذلك هو النظام الرقابي لحقوق الإنسان التعاهدي وغير التعاهدي على المستوى العالمي، والاتفاقي على المستوى الإقليمي، والذي يحق لآلياته وحدها إصدار توصيات للدول في مجال حماية حقوق الإنسان وترقيتها. ولذلك وبعد إمعان النظر في محتواها، استغرب المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لائحة البرلمان الأوروبي حول حرية التعبير والصحافة بالجزائر، خاصة بالصيغة التي جاءت بها، أشد الاستغراب وهذا ليس فقط لمخالفتها تماما للحقيقة، ولضربها في الصميم لحق أساسي من حقوق الإنسان والذي يمثله مبدأ استقلالية القاضي، بل أكثر من ذلك لصدورها خارج مقتضيات الإطار القانوني والدبلوماسي المتعارف عليه والمعمول به في مثل هذه الأوضاع. فبصدد هذه النقطة الأخيرة بالذات، كان الأجدر بالبرلمان الأوروبي أن يختار للتعبير عن رأيه في مواجهة شريك للاتحاد الأوروبي، النهج المتفق عليه كإطار منظم للحوار والتشاور وإبداء الرأي، والذي تمثله قنوات رسمية مثل مجلس الشراكة أو اللجنة البرلمانية المشتركة، أو حتى جلسة استماع، كما تم ذلك خلال شهر مارس حيث وبناء على الدعوة التي وجهت من طرف اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان للبرلمان الأوروبي، للسيد رئيس المجلس وبهذه الصفة، حضر هذا الأخير وناقش مع أعضاء هذه الهيئة الممثلين للسيادة الشعبية في دول الاتحاد الأوروبي، وضعية حقوق الإنسان في الجزائر. وتم هذا اللقاء في إطار الشراكة المجددة مع جوار الجنوب وهو المصطلح الذي درج البرلمان الأوروبي ذاته على استعماله، وتضمنته صراحة الدعوة المذكورة. ولا شك أن اللائحة المنتقدة من أكثر من جهة في الجزائر وخارجها وبشدة، وبخروجها عن الأطر المذكورة يصح عليها وصف القرار العشوائي. وعلى نقيض ذلك، تعمل الجزائر على أن تمرر رسائل دبلوماسيتها من خلال نضالها المستميت للدفاع عن حقوق ضعفاء هذا العالم، عبر قنوات الحوار والنقاش في أطر منظمة وهيئات رسمية كمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وهنا لابد من الإشهاد للجزائر بورقة تعهداتها الطوعية وبعملها الدؤوب في مجلس حقوق الإنسان من أجل تأكيد الحق في التنمية كحق أساسي من حقوق الإنسان وهو ما من شأنه فتح الطريق أمام ممارسة العديد من حقوق الإنسان الأخرى ومنها الحق في حرية التعبير وهو ما يتفق مع نهج الأمم المتحدة في خطتها من أجل تجسيد التنمية المستدامة. وبالعودة للائحة البرلمان الأوروبي وتسجيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان بقوة مخالفتها تماما للحقيقة، يذكر المجلس أنه يتابع بحرص شديد التطور الذي تشهده حرية الصحافة من خلال تنامي فضاءات الاعلام باختلاف منصاته ومختلف صيغ الدعم التي توفرها الدولة ومؤسساتها المختلفة لمرافقة المؤسسات الاعلامية، مستذكرا بهذا المقام، الحقوق والحريات التي كفلها دستور 2020 والتي نتابع باهتمام شديد استكمال آلياتها خاصة بالنصوص التشريعية التي تتوالى مناقشتها وبنضج يضمن ديمومتها ونجاعتها، وهذا من أجل استمرار الجزائر في الوفاء بكل التزاماتها الدولية والإقليمية فيما يخص كل الصكوك الدولية الملزمة وتجاوبها مع ملاحظات وتوصيات لجانها المختصة. كما لا يفوتنا التذكير بالموقف الإيجابي جدا الذي اتخذته الجزائر إزاء التوصيات التي صدرت في إطار الاستعراض الدوري الشامل بقبولها لهذه التوصيات بنسبة كبيرة جدا تقدر ب 216/ 292 توصية. وهنا لا يفوتنا التذكير بوقائع ذات أهمية قصوى بالنسبة لحرية التعبير في بلادنا ومنها مثلا ما أمر به السيد رئيس الجمهورية من مواصلة إثراء مشروعي قانوني الإعلام والسمعي البصري خلال مجلس الوزراء الذي انعقد بتاريخ 26/02/2022، مشددا على تعزيز ضمانات حرية التعبير وتدقيق المفاهيم وتحديد صفة الصحفي المحترف، وأيضا موقفه المشجع لحرية الصحافة في يومها العالمي بتاريخ 03 ماي الفارط، حين أبى إلا أن يشرف شخصيا على حفل استقبال ممثلي مختلف وسائل الإعلام الي نظم بهذه المناسبة والاستماع لكل الآراء على تنوعها وأحيانا تضاربها و توجيه الكل للانخراط في النظام القانوني الملائم الكفيل بحماية الصحفي وأيضا وسيلة الإعلام. وأمام هذا التطور الإيجابي لحرية التعبير في الجزائر لا يمكن للمجلس إلا أن يلاحظ وبكل أسف أن اللائحة المنتقدة تشكل حقيقة تدخلا سافرا في الشؤون السيادية للدولة الجزائرية وتحديدا في شؤون القضاء ويظهر ذلك أولا من خلال ذكر اللائحة لحالات فردية تتعلق بوضعيات أشخاص محبوسين في انتظار محاكمتهم مما يترتب عنه أن اللائحة تأخذ شكل ورقة ضغط على القاضي، كما يتبدى ذلك أيضا من صيغتها التهديدية والضاغطة والآمرة بإطلاق صراح هؤلاء المحبوسين مع توجيه الخطاب للسلطات الجزائرية بوجه عام مما يعني أنها تضع قرار تسريح المحبوسين بيد سلطات أخرى غير السلطة القضائية أو تدفع لتدخل هذه السلطات والتأثير على القاضي. لكن أكثر من ذلك يتبين من قراءة عابرة للائحة أنها تشكل مساسا خطيرا باستقلالية القاضي المضمونة والمحمية بموجب أحكام صريحة في الدستور وفي القانون. ولا يخفى على أحد أن الجزائر بكامل سيادتها وإرادتها الحرة، وفي إطار الإصلاح الشامل لمؤسساتها قد جعلت من استقلالية القاضي هدفا أساسيا ضمن هذا الإصلاح. وقد كان ذلك عن طريق إعادة النظر جذريا في تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء ونظام سيره، وخاصة بجعله يتضمن في تشكيلته حاليا أكثر من 2/3 من القضاة المنتخبين والذي يعد أيضا من بين أعضائه وبحكم الدستور رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس الدولة ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وختاما ومع الأسف الشديد لا يمكن النظر للائحة البرلمان الأوروبي بالصيغة التي حررت بها وبذكر الحالات الفردية التي جاءت ضمن فقراتها بل في عنوانها، إلا كتعد صارخ على حق أساسي من حقوق الإنسان الذي يكرسه مبدأ استقلالية القاضي وهو المبدأ المعلن عنه في الدستور والمكرس في النص التشريعي المتعلق بانتخاب قضاة المجلس الأعلى للقضاء، مع العلم أن حرية الصحافة وحرية التعبير بوجه عام حاميهما وضامنهما الأول هو القاضي المخول وحده سلطة الفصل في القضايا المتعلقة بممارسة هذه الحرية، فكيف يقوم بهذه المهمة الكبيرة وهو تحت ضغط مثل هذه اللائحة؟