رسالة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بمناسبة إحياء ذكرى اليوم العالمي لكبار السن

سبق أنه ثمن المجلس في رسالته بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن بتاريخ 01 أكتوبر 2023، التدابير التي اتخذتها الدولة لفائدة الأشخاص المسنين وفي مقدمتها آلية الوساطة الاجتماعية والعائلية، لما توفره وتضمنه، هذه الآلية، من فرص بقاء الشخص المسن في الوسط العائلي.
وفي رسالته، بمناسبة اليوم العالمي للمسنين لهذه السنة أي سنة 2024، لا يسع المجلس إلا أن يثمن مرة أخرى، استمرار نجاح هذه الآلية ودليله في ذلكالإحصائيات المقدمة في تقارير وزارة التضامن الوطني والتي تظهر تواترتقلص أعداد كبار السن المتواجدين بالمراكز المتخصصة التابعة للقطاع،وتوضح أن ذلك راجع لاستفادتهم بالإدماج العائلي والاجتماعي بموجب الآلية المذكورة.

يثمن المجلس أيضا مبادرة السلطات العمومية بمشروع تعديل القانون رقم 10 – 12 المؤرخ في 29 ديسمبر 2010، المتعلق بحماية الأشخاص المسنين، والذي يعتزم، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، من جهته، تقديم اقتراحات إثرائه ليتلاءم مع متطلبات أحدث معايير حقوق الإنسان العالمية، المطلوب العمل بها، فيمايخص كبار السن.

ومن الجهود المستحقة، أيضا،التشجيع، إلى جانب آلية الوساطة ومشروع تعديل القانون سابق الذكر، يجدر بنا الوقوف عند الممارسة الحسنة المتمثلة في المزارع البيداغوجية والحدائق، التي انطلقت المبادرة بها سنة 2021، ليتم تعميمها، لتشمل، حاليا، تقريبا، كل المراكز المتخصصة، لإقامة المسنين، التابعة لقطاع التضامن الوطني، وتشكل عاملا حاسما في راحتهم النفسية.

وتبقى هناك متطلبات كثيرة لكبار السن، يوصي المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بأن يتم التكفل بها لفائدتهم، مثل، توسيع دائرة المزايا التي تخولها بطاقة الشخص المسن، وفتح مزيد من فرص وتسهيل الولوج أمامهم، وكذلك تنقلهم في أحسن الظروف.

لكن التحدي الأكبر بالنسبة لكبار السن يبقى المجال الصحي،ولا شك من تحقق الكثير من الخطوات الإيجابية في هذا المجال، الشاهد على ذلك، انفتاح كليات الطب على مزيد من المعرفة، والمستشفيات على مزيد من الممارسات الحسنة، فيما يخص العناية بصحة كبار السن. وفي هذا الصدد يلاحظ المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أنه وبالرغم مما سجل من تقدم في هذا المجال،إلا أن الطموح يبقى قائما في تحقيق قفزة نوعية أكبر، لتلبية الحاجات الصحية، بشمولية أوسع وبفعالية، لهذه الفئة الهشة من أفراد المجتمع، وخاصة بتأسيس تخصص طب الشيخوخة ((Gériatrie، بالمعايير التي يتطلبها، التقدم العلمي المحرز في هذا المجال، في البلدان المتقدمة، تماما، على غرار طب الطفولة(Pédiatrie).

ولا شك أن هذا المطلب سيفرض نفسه، أكثر فأكثر، وبإلحاح، في السنوات القليلة القادمة، وهذا ليس فقط، لمسايرة تطور العلوم الطبية عالميا، وفي هذا الاختصاص بالذات، بل للتحول الكبير الذي طرأ على سن الشيخوخة، حديثا، في بلادنا، حيث تجاوز متوسط العمرالـ 75 سنة محققا طفرة بثلث السن خلال أقل من 75 سنة مضت، أي منذ سنة 1950. ففئة كبار السن في الجزائر هي في ازدياد مطرد، وحسب إحصائيات حديثة، للديوان الوطني للإحصاء، سيصل السكان المسنون إلى نسبة %14,7 من إجمال السكان سنة 2030 وأكثر من 22%، سنة 2050. و من ثمة، هنا يكمن السبب الحاسم في استحقاق فئة كبار السن،تخصصا طبيا قائما بذاته وخاصا بهم، في بلادنا، لا سيما وأن هذا التخصص الجديد، نسبيا، سيتيح لكبار السن، ما يستحقونه من اهتمام خاص بصحتهم بكل خصوصياتها.

ويتمنى المجلس أن يأخذ هذا المطلب في بلادنا هذه السنة انطلاقة قوية ليتوافق هذا المجهود الوطني مع الشعار المتخذ هذه السنة للاحتفال باليوم العالمي للمسنين من طرف الأمم المتحدة، والذي موضوعه، مناقشة “مرحلة الشيخوخة بكرامة: أهمية تعزيز أنظمة الصحة والشيخوخة في جميع أنحاء العالم”.

ومما يشجع في هذا الاتجاه، كون هذا المطلب لا تترتب عنه أعباء مالية إضافية تثقل ميزانية الدولة، بقدر ما يفتح مجالا لاستثمارات متعددة ومتنوعة والتي يمكن أن تقوى وتتوسع باستمرار لتلبية حاجات وخدمات كبار السن الذين يزداد عددهم بدون توقف، وتعود بالفائدة على المجتمع برمته.